الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العزير الحكيم الوهاب ، منزل الكتاب ، ومجرى السحاب ، وهازم الأحزاب ، والصلاة والسلام على البشير النذير ، والسراج المنير الرحمة المهداة ، والنعمة المسداه ، وعلى آله الأطهار الأخيار وأصحابه الذين عليهم من الله الرضوان
وبعـــــــــد
فاعلم رحمنى الله وإياك أن لقراءة القرآن الكريم شروط
وهذه الشروط أسماها أهل هذا الفن آداب
فآداب تلاوة القرآن الكريم
الأول : النية فهى أصل كل عمل
لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبرقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه"
رواه البخارى ومسلم واللفظ له
الثانى : الإخلاص وهو إفراد الله سبحانه وبحمده فى الطاعة بالقصد فلا ينتظر من الناس اكتساب محمدة أو غير ذلك فإن استحسنوا الفعل لا يركن إلى استحسانهم ولا ينتظر المزيد وليحمد الله
عز وجل على مايسره له من نعمة
قال الله عز وجل: { وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) } سورة البينة
الثالث : الوضوء ما أمكن فإن قرأ على غير وضوء جاز له ذلك ، عن ابن عباس رضي الله عنهما كما عند أبى داود بسند صحيح : أنه بات عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي خالته قال فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام يصلي قال عبد الله فقمت فصنعت مثل ما صنع ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي فأخذ بأذني يفتلها فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين قال القعنبي ست مرات ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح" .
الرابع : يستحب له أن يُطهِّر فمه بالسواك
أو بغيره فإن لم يجد فبأصبعه ويستاك فى عرض الفم أولا فيبدأ بالجانب الأيمن عملا بالسنة لحديث أنس عند البخارى وفيه : " الأيمن فالأيمن " ثم يستاك فى ظاهر الأسنان وباطنها وطولها وعرضها.
الخامس : أن تكون القراءة فى محل نظيف مختار وأفضل القراءة فى المسجد ، والقراءة فى الطريق جائزة ، غير مكروهة ، بل هى ديدن الصالحين ، فقد روى عن أبى الدرداء : أنه كان يقرأ فى الطريق.
وعن محمد ابن المنكدر: أنه كان يصحب غلامه معه فى الطرقات فيُقرئه القرآن ويصحح له.
السادس : يستحب أن يستقبل القبلة ـــ وليس هذا شرطا من شروط القراءة ولكنه عند أهل الأداء مستحبا ـــ واستندوا بالحديث الضعيف الذى رواه الإمام السيوطى فى الجامع الصغيرعن عبد الله ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أشرف المجالس ما استقبل به القبلة " والحديث الثانى : " إن لكل شيء شرفا وإن شرف المجالس ما استقبل به القبلة " . ولكن القارئ إن قرأ إلى غير القبلة ماشيا أو قائما أو مضجعا جاز ، قال الله عز وجل: " إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ {190} الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {191} " سورة آل عمران
السابع : أن يتعوذ قبل البدء بالقراءة وبعد التوقف والعودة وقد أجمع جمهور القراء على هذا قال ابن الجزرى فى طيبة النشر :
وقل أعوذ إن أردت تقـــرا
كالنحل جهرا لجميع القـُرَّا
وإن تغير أو تزد لفظا فلا
تَعْدُ الذى قد صح مما نقلا
الثامن : أن يُتبع البسملة الاستعاذة فى أول السور إلآ فى سورة التوبة ، فإن قرأ من منتصف السورة استعاذ وترك البسملة على الأرجح.
التاسع : الالتزام بأحكام التجويد وهذا أصل القراءة فمن لم يجود القرآن آثم ، قال ابن الجزرى فى مقدمة طيبة النشر فى القراءات العشر:
والأخذ بالتجويد حتم لازم
من لم يجود القرآن آثم
لأنـه بـه الإله أنــــــــــزلا
وهكذا منه إلينا وصــــلا
وهو إعطاء الحروف حقها
من صفة لها ومستحقها
فالتجويد من الإجادة وهى إعطاء الحرف حقه ومستحقه ، قال الله عز وجل : " وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) " سورة المزمل
عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ سَلَمَةَ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَاتِهِ فَقَالَتْ:" وَمَا لَكُمْ وَصَلَاتَهُ كَانَ يُصَلِّي وَيَنَامُ قَدْرَ مَا صَلَّى ثُمَّ يُصَلِّي قَدْرَ مَا نَامَ ثُمَّ يَنَامُ قَدْرَ مَا صَلَّى حَتَّى يُصْبِحَ وَنَعَتَتْ قِرَاءَتَهُ فَإِذَا هِيَ تَنْعَتُ قِرَاءَتَهُ حَرْفًا حَرْفًا" رواه أبودود بسند صحيح
العاشر : البكاء أو التباكى حال القراءة فالبكاء صفة المتقين وشعار الصالحين ، قال الله عز وجل : " وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109) " سورة الإسراء
قال إبراهيم الخوَّاص : دواء القلب فى خمسة أشياء : قراءة القرآن بالتدبر ، وخلاء البطن ، وقيام الليل ، والتضرع عند السحر ، ومجالسة الصالحين" .
قال أبو حامد الغزالى : البكاء مستحب مع القراءة وعندها.
الحادى عشر : الدعاء
ويستحب الدعاء فى الأحوال كلها فالأوْلى
أن يدعوا عند القراءة وبعدها بأن يتقبل الله منه
وأن يجعله من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته.
اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك علِّمنا منه ما جهلنا وذكرنا منه ما نسينا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذى يرضيك عنا واجعله قائدنا إلى رضوانك والجنة.
اللهم آمـــــــــــين